fbpx

عرض للأخ “علال بنلعربي” في إطار الندوة المنظمة من طرف طلبة الماستر بجامعة ابن زهر بشراكة مع جمعية الجامعة الربيعية

العرض الذي قدمه الأستاذ علال بنلعربي الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم المنضوية تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل

في إطار الندوة المنظمة من طرف طلبة الماستر بجامعة ابن زهر بشراكة مع جمعية الجامعة الربيعية، بدار الثقافة بتزنيت / 28 أبريل 2018

  تحت عنوان : "التعليم العمومي الجيد المجاني رهان تاريخي للمغرب"

 

السيدات والسادة

الحضور الكريم :

أحيي عاليا هذه المبادرة  ذات البعد المعرفي على طرحها لمناقشة موضوع يحمل طابعا إشكاليا ، مرتبط ارتباطا قويا بمستقبل المغرب ، وبمصيره الحضاري والوجودي ، ذلك ان التحولات الكونية التاريخية التي شهدتها الإنسانية في موجتها الثالثة كما تحدث عنها ألفين توفلير في كتابيه "الموجة الثالثة " و " تحول السلطة "،  تلعب فيها المعرفة والعلم بمختلف أصنافه الدور الحاسم والمركزي ، في كل عمليات التغيير ، فالمعرفة في زمننا المعاصر ارتبطت ارتباطا قويا وعضويا  بكل عمليات الإنتاج ، فالإنتاج بفعل هذا الارتباط تحول من إنتاج مادي الى إنتاج لا مادي ، ومن إنتاج ملموس الى إنتاج أثيري ، وأنتج مفهوما جديدا يسمى : عمال المعرفة وفق ما وقف عليه المفكر علي حرب ،  في كتابه " بداية النهايات " .  نريد أن نؤكد من خلال هذه الإشارة الى أن المعرفة أصبحت شرط الوجود التاريخي لكافة الأمم والشعوب ، وان الفاعل في السيرورة التاريخية الجديدة هو " المعرفة " .

وإذا كان هذا  الأمر  أصبح واضحا في العالم ،  كما تدل على ذلك الكتابات المتعددة والمتخصصة في مواكبة طبيعة هذا المسار الاقتصادي العالمي الجديد ، فان السؤال الذي يطرح علينا في المغرب :

–  أين نحن اليوم في ظل هذا الوضع الدولي الجديد ؟ وأي موقع نحتل في المركب التاريخي الجديد ؟

سنتحدث باختصار شديد على العناصر التالية :

1 – الأزمة المركبة البنيوية للنظام التعليمي بالوقوف أساسا على الأسباب التي أدت إلى هذه الأزمة

2 – كيف تفكر الدولة في المسألة التعليمية وفي إصلاح التعليم كضرورة وطنية وتاريخية

3- بعض المقترحات

    بخصوص الأزمة ، سوف لا أرهقكم بالإحصائيات والأرقام التي تؤكد هذه الأزمة ، فهي موجودة في التقارير الوطنية  : ( المندوبية السامية للتخطيط ، المجلس الأعلى للتربية والتعليم لسنة 2018،والمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي  في " التحليل التركيبي " الذي صدر في 14 دجنبر 2014 ، وموجودة أيضا في التقارير الدولية )  ،واذن فالتشخيص الذي يعكس الواقع ويعبر بعمق عن نوعية وطبيعة الأزمة متوفر بل ومتداول ، وأيضا فان الجميع دولة وتنظيمات المجتمع؛    يقر بالأزمة ، ومع ذلك اقترح عليكم أن نقرأ ما كتبه الاستاذ عبد الله العروي في الموضوع، في جريدة " السياسة الجديدة " ( وهي جريدة  أسبوعية )بتاريخ 23 – 29 أكتوبر سنة 1998 العدد 231 ، استجوابا أجراه معه الأستاذ عبد الصمد بلكبير حول قضايا متعددة ، ضمنها  قضية التعليم ، ما يلي :  " لقد انتدبت كممثل للمغرب من طرف منظمة اليونسكو للمشاركة في  أعمال خلية حول التربية في القرن 21 ، وكان يرأسها  " جان دولور " ، وكان العنصر العربي الثاني في هذه الخلية  ؛ سيدة منتدبة من الأردن ، وبعد أن حضرت الاجتماع الأول ، اعتذرت، لماذا؟ لأنني وجدت أن المشاكل التي يعرفها المغرب في هذا المجال قد حسمت لدى جميع ممثلي الحضارات والقارات الأخرى ، بما فيها الأخت الأردنية ، ولم يكن لي حل غير ذلك ، فإذا تطرقت للمشاكل التي يعرفها المغرب  في المجال المعني ، ستبدو غريبة لممثل الهند والتايلاند ، وإذا غضضت الطرف عن هذه المشاكل ، فسأتكلم في الفراغ ، وهذا غير ممكن ، فمنهم من تجاوز المشكل اللغوي بقرون ، ومنهم من تجاوزه بسنوات  "  .

وما يستنتج من حديث الأستاذ عبد الله العروي   ؛ هو أن الزمن التربوي والتعليمي بالمغرب ،  يعيش خارج الزمن التربوي الإنساني المعاصر  ، زمن الإنتاج المعرفي والتكنولوجي والثقافات المؤسسة والمؤطرة لهما .  وفي كتابه الأخير  "استبانة "  وهو عبارة عن حوار ذاتي – يحاور ذاته – يتكلم بمرارة عن إصلاح التعليم وقضايا التربية والتعليم ، ويصف الأمر ؛  بأم المعضلات بالمغرب ، وحينما يسأل  ذاته عن إصلاح التعليم ، يجيب : إصلاح ماذا ؟ إصلاح التعليم أم إصلاح الدولة أم إصلاح المجتمع ، وهكذا فان الإجابة عن إصلاح التعليم مرتبطة بإ صلاح الدولة ومرتبطة بإصلاح المجتمع ، أي الإصلاح الشامل ، فالاصلاح هو نسق وتصور عام لما ينبغي أن يكون عليه مغرب الغد ، فاصلاح التعليم بمنظور منفصل على الدولة والمجتمع ، قد يؤول الى الفشل .

لكن السؤال المركزي هو :  ما هي الأسباب الحقيقية التي أدت الى هذا الوضع الذي يشكل عائقا حقيقيا أمام التنمية والبناء الديمقراطي ؟

هناك من اعتمد المنهج الوظيفي البنيوي في معرفة الأسباب : أسباب الإخفاق والانكسار وفشل مشاريع الإصلاح ، معتبرا أن الأزمة هي نتاج اختلال وظيفي مرتبط فقط بالعناصر المشكلة لبنية المنظومة التربوية ، فالعطب هنا داخلي  والمعالجة تبقى داخلية برؤية تقنية . إن الذين اعتمدوا هذا المنهج في دراسة القضية ، ظلوا حبيسي الرؤية التجزيئية ذات الطابع التقني ولم يستطيعوا ربط الأزمة بالسياسة التي أنتجتها وبالاختيارات التي أطرتها .

وهناك من يعتمد المنهج النسقي ، والتحليل التاريخي الذي يربط بين النظام السياسي ، ويتجاوز حدود دوائر ما هو تقني ، باحثا بالعقل الجدلي بين الاختيارات السياسية والفكرية الاستراتيجية للدولة والنظام التعليمي ، معتبرين أن طبيعة النظام التعليمي هي من  طبيعة النظام السياسي ، فالتعليم هو الرافعة المركزية في المجتمع  ، و في هذا السياق نقرأ لميشيل فوكو – الفيلسوف الفرنسي المعروف – في كتابه الجدير بالقراءة " يجب الدفاع عن المجتمع " ، وهو عبارة عن محاضرات كان يلقيها في كوليج دي فرانس ، دون أن يتقيد ببرنامج سنوي ولا بمقررات رسمية ..وفي هذا الكتاب يسلط الضوء على مفهوم السلطة والهيمنة والسيطرة ودور الحرب في السيرورات التاريخية وغيرها

يقول : " اعتقد أنه يجب توجيه البحث في تحليل السلطة نحو الهيمنة ،  وليس نحو السيادة ، الى العوامل المادية والى أشكال الإخضاع ،  والى استعمال الأنساق المحلية للإخضاع وإلى جاهزيات المعرفة … يجب دراسة السلطة ..خارج الحقل المحدد من طرف السيادة القانونية والمؤسساتية للدولة .. " ص 58 " نمط السلطة قائم على التاطير المشدد والقهر والإكراه "  نفس  الصفحة

فالهيمنة والإخضاع والقهر والإكراه ، التي تعد أدوات السلطة للتحكم والضبط ، لا تعتمد فقط على المؤسسات والتشريعات والقنوات الرسمية للدولة ، بل تتعداها وتتجاوزها خارج هذه الحدود لتمتد لآليات وأدوات أخرى ، وقضية التربية والتعليم تندرج في هذا الإطار . فالضابط هنا للمجتمع بما يسمح للسلطة بممارسة هيمنتها هو "المعرفة وجاهزيتها "

وإذن ، فإن معرفة الأسباب ، يجب أن لا نبحث عنها فقط من خلال المعوقات الداخلية للمنظومة ، بل  من خلال عوامل خارج المنظومة ، ويتعلق الأمر بسياسة الدولة . وإذا انطلقنا من هذا التوجه الذي حدده ميشيل فوكو ، وهو مثبت في تجارب التاريخ ،  في العلاقة بين طبيعة الأنظمة السياسية والأنظمة التربوية / التعليمية ، فإننا في المغرب نستحضر بقوة  ما ورد على لسان الأستاذ محمد شفيق  ، في كتاب " وظيفة المثقف "  ، وهو كتاب تضمن ما يقارب 15 استجوابا لمفكرين مغاربة في مختلف التخصصات ؛

يؤكد الأستاذ شفيق في الصفحتين 45 و46 أن المرحوم إدريس المحمدي ، بتكليف من المرحوم الحسن الثاني  ،طالبه بإعداد تقرير حول الكتاتيب القرآنية  ( المسيد ) ، والخلاصة هو أنه أعد تقريرا مفصلا  يؤكد فيه  أن مناهج وطرائق التربية في هذه الكتاتيب والمضامين التي تلقن للتلاميذ   ،  تعد من بين العوامل الرئيسية في التأخر الحضاري بالمغرب .  وبعد أسبوع ، استدعى إدريس المحمدي ، محمد شفيق الى مكتبه وأخبره بأنه  بعث بمذكرة لوزير التربية الوطنية  ، من أجل تعميم هذا النوع من التربية والتعليم ، واستنتج الأستاذ شفيق بأن هذا النوع من التعليم  يدرب على الخنوع والخضوع ، وهو ما يتلاءم مع طبيعة "المخزن " .إن هذا التقرير يعد مرجعا للوقوف على الاسباب الحقيقية التي أدت إلى الأزمة، إذ من خلاله نفهم منظور الدولة للتعليم  وإدراكها لأدواره في تنمية الوعي وتكوين الشخصية المستقلة القادرة على مواجهة تعقيدات الحياة الوطنية واتخاذ القرارات الملائمة بالعقل .

ان الأسباب الرئيسية للتأخر التاريخي للمغرب ، هي التي تم اعتمادها وتعميمها في المدارس التعليمية ، عبر المذكرة المرفوعة من "الديوان الملكي " الى وزارة التربية الوطنية.

في سياق السياسة الاستراتيجية لتعاغمل الدولة مع قضية التعليم نستحضر ما أقدمت عليه الدولة كقرار سياسي / اديولوجي ، سنة 73 – 1972اذ تمت محاصرة الفلسفة وتدريسها في الجامعة ، وتقليص ساعات تدريسها في الثانوي فيما بعد ، وفتحت المجال للدراسات الاسلامية، لا من أجل العلم والمعرفة – والمغرب في حاجة إليها – ولكن لضرب الفلسفة ، ومواجهة حركة اليسار بالمغرب ، فكانت محنة الفلسفة ، وبالتالي محنة العقل والحرية ،  وطرح السؤال النقدي ، وفي نفس السنة إغلاق معهد السوسيولوجيا الذي يسيره المرحوم صاحب النقد المزدوج عبد الكبير الخطيبي . والتوجه أو القرار كان هو تفكيك كل المؤسسات المنتجة للفكر العقلاني النقدي، فالمجتمع ينبغي أن يظل خادما للدولة ، والعلاقة لا يجب أن تخرج عن " علاقة السيد بالعبد " بالمفهوم الهيجلي .

والأستاذ عبد الله العروي يحلل أسباب الازمة وفشل مشاريع الإصلاح  الى غياب الإرادة السياسية ، ويؤكد أنه    حتى  إن توفرت فإنها غير كافية ، بل  لابد من الاقتناع بنجاعة الإصلاح كمفهوم وكرؤية في بنية التفكير السياسي للدولة .

فالمنطق الذي حكم العلاقة بين الدولة والمدرسة هو الحذر والخوف ، وبالتالي يجب تطويقها ومحاصرتها وإهمالها ، والإهمال محمول على أكتاف الدولة وأجهزتها ،  وظل مستمرا إلى يومنا ، والدليل هو أننا في القرن 21 وبعد مرور 61 سنة على استقلال المغرب لازالت مؤسسات بدون مرافق اجتماعية ( بدون مراحيض وماء صالح للشرب وغيرهما ) لقد تم تفريغ المؤسسة العمومية من وظائفها التربوية والتعليمية ، ومن أدوارها الثقافية  ،  وفتح المجال للفكر اللاعقلاني المثقل بالخرافة والغيبيات التي لا علاقة لها بالشرع ، بل توظف لأغراض قد تكون سياسية او نفعية مادية ، وقد تندرج ضمن مخططات إنتاج الايديولوجيات المضللة للمجتمعات .وقد تم تجريد المجتمع من روحه في الدفاع عن ذاته ، وعن مستقبل بلاده .

فالدولة مسؤولة عن كل ما جرى وحدث للمدرسة العمومية ، لقد كان هاجسها هو تطويق ومحاربة الفكر العقلاني والحفاظ على الأمن ، أمن الدولة ، هنا نستحضر تجربة " الميجي " في اليابان / في عصر السلطان المرحوم الحسن الأول ، حيث كان التعليم في اليابان يعيش وطأة التخلف ، فاستقرت الدولة على ضرورة الإصلاح ، وحددت له أهدافا استراتيجية قائمة على شعار محدد للأفق الاستراتيجي لليابان ، يحمل مضمون المشروع المجتمعي الذي يراد بناؤه  :

   – "  من أجل دولة قوية ومجتمع غني "، باعتماد العدالة الاجتماعية والعلم  والمعرفة يعدان من بين المحددات لبناء الدولة العقلانية والمجتمع الحداثي ، وكان الاهتمام بتدريس الرياضيات والعلوم الطبيعية والتاريخ والتربية الوطنية ، وتم توحيد المدرسة العمومية ، وتحولت إلى نموذج يعتمد الإنصاف وتكافؤ الفرص ، واتخاذ القرار الحاسم والتنفيذ الصارم والقوي لمشروع إصلاح النظام التربوي .

  وأصبح الشعب الياباني يعلم ابناءه في مدرسة  واحدة ، موحدة في فضاءاتها ومناهجها وبرامجها وبنيات استقبالها للتلاميذ ، وتجهيزاتها ، وتم تحقيق مبدأ مركزي في التربية والتعليم وهو تكافؤ الفرص والإنصاف ، وتم توفير كل الشروط للتربية والتعليم ، فعادت الثقة وآمن الشعب الياباني بمدرسته وكان النجاح التاريخي حليف اليابان .في اطار عدالة اجتماعية حقيقية وفعلية .

     كيف تفكر الدولة اليوم في المدرسة العمومية  من خلال  قانون الإطار والارتقاء بمهن التدريس ، وهو ما عارضناه داخل المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي ،  لماذا ؟

1- لأنه جاء بإحداث رسوم التسجيل  ، والرسوم وفق منطوق النص تندرج ضمن " تنويع مصادر التمويل في إطار التضامن الوطني "  ، واعتبرنا إحداث هذه الرسوم مدخلا  للإجهاز على المجانية ، للأسباب التالية :

أ –  السبب الأول هو أن التلاميذ يؤدون الرسوم من خلال الأداء لجمعيات آباء واولياء التلاميذ ، وأداء واجب التامين ، والجمعية الرياضية ، ويؤدون التكاليف المالية للادوات والمقررات المدرسية .

ب – السبب الثاني هو الإعلان الصريح بأن الرسوم تندرج في إطار البحث عن تنويع  مصادر التمويل ، وهو تحايل واضح عن ضرب المجانية لأن الرسوم تشكل مصدرا من مصادر تمويل التعليم .

ج – السبب الثالث : وهو ما يتعلق بالتضامن الوطني ، وفي هذا السياق نعتبر – وهو ما أكدنا ودافعنا عنه –  أن التضامن الوطني يقتضي أن يتضامن كبار الملاكين وكبار الكبار مع أبناء الشعب المغربي لمتابعة دراستهم ، فحينما تشتد الأزمة فإن الأفراد والمجموعات المهيمنة على الثروة والاقتصاد المغربي عليها أن تتضامن بالفعل ، للتعبير عن وطنيتها  وهو "تضامن وطني في سموه ".

ويمكن القول بأن مسألة التمويل غير مطروحة ، لماذا ؟

 1 ) كلفت خسارة الهدر المدرسي 10 في المئة  من ميزانية التسيير الإجمالي  ص 23

 2) كلفت الفرصة الثانية   أو التربية غير النظامية ،  أكثر من 51 مليون درهما   ص  29

3)  الخسائر الحاصلة على مستوى الموارد المالية بلغت أكثر من مليارين و461  مليون درهم سنة 2011

وأكثر من ثلاثة ملايير و415  مليون درهم سنة 2015  وأزيد من مليارين و448 مليون درهم سنة 2009 ، إن هذه الخسائر المالية همت فقط الانقطاعات عن الدراسة الحاصلة خلال فترة التعليم الإجباري ،

كل هذه الأرقام والإحصائيات متضمنة في التقرير التحليلي للمجلس الأعلى الصادر بتاريخ 14 دجنر 2014 ،بالصفحات المذكورة سابقا وإذن فإن التمويل غير مطروح ، بل الذي ينبغي طرحه الترشيد والتدبير الجيد والصارم للمال العمومي ،والحكامة المسؤولة ، وهنا لابد من التذكير بما أكد عليه الميثاق الوطني للتربية والتكوين ، حينما اقترح ان تقدم وزارة التربية الوطنية ، الحصيلة التربوية والتعليمية السنوية ، وكذا الحصيلة المالية ، أمام البرلمان في إحدى دوراته ، بغاية الاطلاع على المصاريف ، وكيف صرفت وعلى حصيلة التلاميذ والطلبة في تحصيل المعرفة ، وفتح نقاش بما يتيح إمكانيات النقد بغاية التطور .ولامجال هنا للوقوف على العديد من الدول في افريقيا حيث التكلفة المالية على التربية والتعليم أقل بكثير من التكلفة المالية بالمغرب ولكن جودة تعليمها وتربيتها أكثر تقدما وتطورا من المغرب ، بل ان منظومتهم التربوية ارتقت الى المستوى العالمي.

2 – المدرسة الشريك :

 بعد القراءة النقدية لبعض  التجارب  الدولية من خلال وثيقة من إعداد الأممية التعليمية   ،    تأكد مايلي :     

أ – أن جميع الحكومات التي دافعت وتدافع بقوة في اتجاه تشجيع نموذج "المدرسة الشريك "لسبب أساسي واحد وواضح وهو : " تخفيض ما تسميه هذه الحكومات من التكلفة المالية للتعليم " ، وبالتالي فإن النقاش لايسير في اتجاه التطوير المستمر للنظام التربوي / التعليمي ونحو ولوج الجميع إلى التربية والتعليم كحق من الحقوق   الأولية للإنسان وكعنصر أساسي مشكل للمواطنة ، بل فقط تسعى إلى التخلص من العبء المالي . والتخلص من العبء المالي يدفع الى ابتكار كل الأساليب التي تدفع الى خوصصة التربية والتعليم .

هذا التوجه العام هو الذي عبر عنه بوضوح رئيس الحكومة السابق  بالقول ": آن الأوان للدولة أن ترفع يدها على الصحة والتعليم "  .  فحينما  يقر قانون الإطار مبدأ " المدرسة الشريك " ، فإننا نجد أنفسنا اليوم أمام اختيار استراتيجي للدولة  في رفع يدها عن التعليم عن طريق خوصصته ، والشراكة قطاع عام / خاص ؛ هو شكل من بين الأشكال المختلفة والمتعددة لخوصصة التربية وتحويلها الى سلعة ، والحال أن أخطر ما يمكن أن تصاب به البلاد هو تحويل التربية إلى بضاعة معروضة في السوق كسائر المنتوجات والمعروضات فالأغنياء بهذا المنطق التجاري يعلمون أبناءهم (ت) في المدارس الخصوصية العليا ، والفقراء يلجأون إلى المدرسة العمومية التي أهملها النظام السياسي لعقود ، وأفرغها من مضامينها العلمية وحولها إلى ملجأ ..

إن شراكة قطاع عام / خاص ، ومن خلال تجارب دولية مختلفة بالإضافة إلى ما سبق ذكره أدت إلى :

1 ) تغيير جذري في مهام وأدوار المدرس من حيث المسار المهني / الإداري ، وأيضا الاجتماعي من خلال رواتب أقل والترسيم والتقاعد والترقية ، والعلاقة التربوية مع الإدارة .

2 ) بما أن منطق السوق هو المسيطر على معظم هذه الشراكات – تعتمد المنافسة – فإن تطوير الكفاءات وقدرات التلاميذ تظل محدودة ، فالتدريس هنا هو من أجل اجتياز التلاميذ لاختبارات لتحسين مكانة المدرسة وقدرتها التنافسية حسب سلم المعاملات ، فالتعليم والتربية يتم تجريده من التعلمات على المواطنة وعلى القيم الإنسانية ..

3 ) إن هذا النموذج الذي يقوم في جوهره على تسليع التربية واعتماد الربح ، فإنه يؤدي الى :

1 – انعدام المساواة

2 – انعدام تكافؤ الفرص

3 – انعدام الإنصاف ، لأنه ينبني على الانتقاء والتمييز والطرد ، للحفاظ على المراتب العليا للمؤسسة بما تفرضه المنافسة

4 – إنه يؤدي إلى إحداث المجتمع الطبقي ، والتفاوتات الاجتماعية الكبرى ، ويحدث اختلالات بنيوية داخل المجتمع

5 – هناك آثار مرتبطة بشكل وثيق بالتغيرات الحاصلة على القيم المؤطرة للتعليم العمومي

لكن السؤال  هو شراكة  من مع من ؟؟

وما الذي سيقدمه القطاع الخاص للنظام التعليمي العمومي ؟ القطاع الخاص الذي يتهرب بعضهم من أداء الضريبة ، كواجب  أمام الامتيازات التي تقدم لهم وبالتالي فإن الرهان عليه تحت أي منطق كان أو ذريعة كانت ،  يعد رهانا خاسرا ، نقرأ في تقرير النظام الضريبي بالمغرب : " التنمية الاقتصادية والتماسك الاجتماعي الصادر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لسنة 2012 في الصفحة 22 ما يلي :  " لا يتوزع العبء الضريبي بصفة عادلة بين الفاعلين الاقتصاديين ، فعبء الضريبة  على الدخل تتحمله فئة قليلة من المقاولات ( حيث يؤدي 02 في المئة  من المقاولات ما قدره  80  في المئة  من مجموع الدخل مصدر الأجراء " . إن خوصصة التربية والتعليم بمنطق الدولة الذي يسمح بتسليع التربية قصد الربح وتحويل المدرسة إلى فضاء تجاري ، هي مقاربة لا نجدها في الدول الغربية ، لأن الدولة واعية بخطورة الموضوع ن وانعكاساته على المجتمع وعلى الدولة نفسها

3 –   العنصر الثالث الذي يمثل عنصرا بنيويا في الاستراتيجية للدولة يتمثل في التقرير الخاص للارتقاء بمهن التربية والتكوين والبحث العلمي ، وسأكتفي هنا بالوقوف على نوعية الموارد البشرية التي تريد مدخلا لها صياغة هذه الإستراتيجية .

نقرأ في التقرير ما يلي : " يصادف هذا التقرير أيضا ظرفية تعرف فيها إعداد العاملين ( ات ) بمختلف الهيئات المهنية للتربية والتكوين والبحث العلمي حركية كبيرة ، تتجسد في ارتفاع مضطرد لعدد المتقاعدين واستقطاب  أعداد كبيرة من الفاعلين ( ات ) الجدد ، مما يفرض لزوما وضع استراتيجية جديدة للتكوين والتأهيل تستجيب لمتطلبات هذه المرحلة وتحدث القطائع اللازمة مع سلبيات السياسة السابقة التي حكمت تفعيل الإصلاحات التربوية ، وأشكال التدبير التي خضعت لها منظومة التربة والتكوين والبحث العلمي لعدة عقود " ص 4

وفي الصفحة 77 يتحدث التقرير عن " تنويع أشكال توظيف الفاعلين (ات ) التربويين (ات ) عامة ، وخاصة منهم الفاعلين ( ات ) بالتعليم المدرسي "

إن القراءة النقدية المتأنية للتقرير من خلال المرتكزات التي انبنى عليها والمفاهيم الموظفة والنقد القوي واللامسؤول لنساء ورجال التعليم العاملين حاليا في المنظومة التربوية ، والنعوت التي ألصقت بهم ، والاتهامات التي وجهت إليهم ، كانت  الغاية منها هي هدم نسق تربوي تعليمي تتحمل فيه الدولة المسؤولية الكاملة ، واتخاذ كافة الإجراءات والتدابير لبناء مدرسة جديدة أخرى ، مدرسة تعتمد الرسوم والشراكة قطاع عام / خاص وعلى " التعاقد " ، لذلك نجد الدولة اتجهت في السنوات الأخيرة إلى اعتماد المغادرة الطوعية  ، وأهملت  المدرسة ولم تعالج الخصاص البنيوي في هيأة التدريس في وقته ولحظته ، وتركت الخصاص يتراكم ، كل ذلك من أجل هدف واحد  هوبناء المدرسة الجديدة المؤسسة على " آن الأوان أن ترفع الدولة يدها على التعليم "

نحن اليوم أمام نسقين : نسق التوظيف في إطار الوظيفة العمومية ( وهو ما دافعنا عنه بالرد على كل الملاحظات والأفكار المهزوزة التي تبرر الاختيارات الجديدة المملاة من صندوق النقد الدولي ، وتطبيقها بالحرف دون إعمال العقل لفهم مضامينها وآثارها وانعكاساتها على المجتمع والدولة على حد سواء ،لأن التوظيف في إطار الوظيفة العمومية يضمن الاستقرارالمهني والنفسي والاجتماعي ، ورد الاعتبار للمدرس والمدرسة العمومية كرهان استراتيجي للتنمية والبناء الديمقراطي .  وإذا كانت هناك فعلا بعض الملاحظات في التجربة الحالية ، فيجب تصحيحها ومعالجتها بما يؤسس " للحق والواجب " وأداء الرسالة التربوية النبيلة  ، لتظل الدولة  دولة اجتماعية مع ما يقتضيه الأمر من توفير الخدمة العمومية وفي مقدمتها التربية والتعليم ، يجب بالضرورة أن نستحضر تجربة الرئيس الفاشستي بينوتشي ، فمباشرة بعد الانقلاب العسكري في بداية التسعينات ، كون لجنة خاصة بإعادة صياغة النظام التعليمي على أسس جديدة وبناء مقاربة مؤسسة في جوهرها على قاعدة تخلي الدولة عن مهامها  بخصوص التربية والتعليم ، وبعث بهذه اللجنة الى مدينة شيكاغو الأمريكية ، للإطلاع على التجارب الأمريكية في الموضوع ، وبالفعل فإن هذه اللجنة المكونة من مهندسين وتقنيين بعد عودتها ،  صاغت النموذج الجديد للتربية والتعليم مبني على المدرسة الشريك وتشجيع القطاع الخاص للاستثمار في حقل التربية  ، ومعتمد على دور الجماعات المحلية وتخلي الدولة عن مسؤولياتها بخصوص التعليم ، وكانت النتيجة إحداث تمزق اجتماعي وشرخ مجتمعي ، وتعميق التفاوتات الاجتماعية وإعادة إنتاجها ، وظل المجتمع يعاني من ذلك إلى حدود سنوات 2006،حينما تقلدت ميشيل بلانشي رئاسة الدولة وانتبهت إلى خطورة هذا الوضع الذي يمزق المجتمع بما يفقده توازنه ، ولا يؤهله للنهوض بأوضاع البلاد ، ويهدد الاستقرار ، فبدأت المراجعة الشاملة والعميقة للنظام التعليمي بالعودة إلى المدرسة العمومية كرهان أساسي ، والدولة تتحمل كامل مسؤولياتها في ذلك باعتماد مبدأ تكافؤ الفرص والإنصاف ، على اعتبار أن التعليم العمومي هو الضامن لتماسك المجتمع ، والمساهم في تطوره وتقويته .

هكذا إذن تفكر الدولة في المراجعات الشاملة والعميقة التي تقوم بها بخصوص المدرسة العمومية والجامعة العمومية ، إنها تقوم بعمليات التفكيك  وإعادة البناء وفق النظام الليبرالي الجديد المتوحش ، ووفق التعاليم المقدسة  لصندوق النقد الدولي ،  بإحداث الرسوم والمدرسة الشريك والتصور الجديد لمهنة التدريس المبنية على التعاقد والمبني على العقدة المحددة المدة وغيرها ، بخلفية السلطة الإدارية للضبط بمعناه التحكمى ، وإذا كان الإصلاح يقتضي التكوين الجيد وفق المعايير الدولية ووفق التطورات النوعية الحاصلة في المجال المعرفي ، فإن التوظيف المباشر عن طريق العقدة ، يعد أسلوبا من أساليب تكريس الأزمة . يبرر التقنيون الذين يعانون من البؤس الفكري ، بأن الواقع يفرض التوظيف المباشر لمعالجة الاكتظاظ ، وردنا على هذا الادعاء يطرح السؤال : إلى متى ستظل الدولة تعتمد هذا المنهج ؟ دون أن تفكر في اعتماد استراتيجية للتكوين المؤسساتي الذي يخرج النظام التعليمي من هذا الواقع الكارثي .

كلها عوامل ينبغي قراءتها في نسقها وسياقها لاستخلاص الخلاصات والنتائج ، لنعود لطرح السؤال : ماذا نريد ؟ إلى أين يمضي التعليم ؟  ومن خلاله إلى أين يسير المغرب ؟

لابد من التأكيد على ان النقابة الوطنية للتعليم المنضوية تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل  اعتبرت وتعتبر أن النضال من أجل إصلاح التعليم جزء لا يتجزأ من النضال  من اجل التغيير الديمقراطي ، وبالتالي فإن  قضية إصلاح التعليم مهمة المهمات وأولوية  الأولويات .

في هذا السياق نذكر بالمحطة النضالية بخصوص الدفاع عن المدرسة العمومية خلال السنة المنصرمة ، إذ تم توزيع نداء يدعو الآباء وأولياء التلاميذ إلى الدفاع عن تعليم عمومي جيد مجاني للجميع ، وأن الضياع التربوي لأبناء الشعب المغربي والاستمرار في إهمال المدرسة العمومية وتفكيكها  وأن الصمت لم يعد ممكنا ، وأن الوطن في خطر لأن المدرسة في خطر ، وكانت الدعوة إلى تنظيم مسيرة وطنية بالرباط ساهمت   وانخرطت فيها   كل فعاليات المجتمع  .

إن النداء الذي حرصت النقابة الوطنية للتعليم على توزيعه بالمنازل ، هو اختيار نضالي وجب تطويره ، لتحسيس المجتمع ليقوم بدوره في حماية المدرسة ومواجهة عمليات الخوصصة التدريجية التي لجأت إليها الدولة.

المقترحات :

أولا : ضرورة المعالجة السياسية المرتبطة في العمق بحسم الاختيارات السياسية من طرف الدولة ، وذلك بصياغة المشروع المجتمعي الذي نريده لمستقبل البلاد ، والخروج من حالة الارتباك والتردد والازدواجية القاتلة : التقليدانية  الغارقة في النزعة الماضوية والحداثة الشكلانية ، والأمر يتعلق ببناء الدولة الديمقراطية  وتحويل الاصلاح إلى عنصر بنيوي في التفكير السياسي للدولة .

ثانيا : إيقاف النزيف الحالي الذي ينخر المدرسة من الداخل ، من قبيل ؛ التوظيف المباشر دون تكوين ، والاكتظاظ والخصاص البنيوي في الموارد البشرية : الإدارة التربوية – المدرسون (ات) – هيأة المراقبة التربوية وكل الفئات التعليمية ..

ثالثا : توفير بنيات الاستقبال للتلاميذ  : والقصد هنا  ؛ الداخليات والمطاعم المدرسية – المكتبات – النقل – الكتب المدرسية

رابعا : لا ينبغي وضع التعليم الخصوصي في مقابل التعليم العمومي والايمان الفكري بأن المدرسة العمومية هي الرهان الاستراتيجي

خامسا : تعليم عمومي جيد مجاني للجميع والتراجع عن قانون الإطار

إن الوطنية اليوم هي الاتجاه نحو التنمية ، والتنمية تقتضي تعميم التعليم ، وتعميم التعليم يفرض في مجتمع يعاني من الفقر ؛ المجانية  , فالمجانية تعني ضمان تكافؤ الفرص ..

سادسا : الحاجة إلى ثورة وطنية هادئة وإحداث القطيعة  المرجوة

سابعا : الربط القوي بين المدرسة والثقافة والتنمية ، الأمر هنا لايعني التكوين التقني ، بل لابد من استحضار البعد الثقافي والحضاري

ثامنا :

 ان مجانية التعليم وجودته وتعميمه هو الاختيار الوطني السليم والأساسي بغاية ضمان تكافؤ الفرص والتوزيع العادل للمعرفة ، بما يوفر شرط حماية المجتمع من الأمية ، ويتيح امكانيات " امتلاك المجتمع للمعرفة " ، فلا تقدم ولا تطور بدون النهوض بالمجتمع بكل فئاته ، والنهضة هنا لا تخرج عن " التربية والتعليم " .   وقضية التمويل غير مطروحة ، واذا كانت مطروحة ، فان الدولة قادرة على ايجاد مصادر التمويل : من المؤسسات العمومية واحداث ضريبة على الثروة بما يضمن  "تعليم عمومي جيد مجاني للجميع "    وهو هو الضامن لتعميم التعليم ، في مجتمع أوسع فئاته تعاني من الفقر والتهميش الاجتماعي .

 

علال بنلعربي

الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم